السبت، 15 أكتوبر 2016

مشيخة قبيلة الرحلة في الوثائق التأريخية



مشيخة قبيلة الرحلة في الوثائق التأريخية



أما قبل :
        أود تنبيه القارئ الكريم إلى عدة أمور:
        أ- مصادر معلومات الباحث في هذه الوريقة البحثية الوثائق التأريخية لما لها من أهمية ومكانة كبيرتين عند الباحثين والمؤرخين باعتبارها الشاهد الصامت، ولسان التاريخ الصادق، البعيد عن المبالغة والتزييف.
        ب- يقتصر الباحث على ذكر المشايخ الذين نصت الوثائق التأريخية على وصفهم بـ (شيخ قبيلة الرحلة) ونحوه. أما من ذكرت مشيخته للقبيلة من خلال الروايات الشفهية، وشيوخ الأفخاذ فإنهم خارج حدود هذه الورقة
        ج- أن مشيخة قبيلة الرحلة لم تكن محصورة في بيت واحد، ولا فخذ واحد، وإنما كانت مشاعا بين القادرين من أبناء القبيلة، بل إن اجتماع القبيلة على شيخ واحد يعد من الحالات القليلة والنادرة، ولذلك أدلة موثقة فمثلا الشيخ  مساعد بن مسيعيد  لم تكن له مشيخة عامة على القبيلة كما يدعيه البعض بل تنحصر مشيخته على ذوي حسيب و من معهم كما دلت عليه وثيقة معاهدة بعض قبائل بني سالم وبني عمرو سنة 1245هـ فقد ذكر فيها عدة مشايخ من الرحلة وهم :
1-مساعد بن مسيعيد من ذوي حويت وهو يمثل ذوي حسيب ومن معهم .
2-مقبل بن حويت من ذوي حويت وهو يمثل العريات ومن معهم .
3-جميعان بن سلوم من ذوي عبدالله وهو من ذوي فضل .
4-مساعد بن مرشد من ذوي عبدالله و اظنه من الخضرة .
5-راشد بن سالم من ذوي عبدالله و أظنه من الموتة .

و لذلك فادعاء المشيخة في عائلة واحدة او فخذ واحد باطل ثابت البطلان بالوثائق التأريخية التي كتبت بحضور أعيان القبيلة و مشايخها وما ذكرته مثال للأدلة الكثيرة المؤيدة لما ذهبنا له من رأي .







أما بعد :
       ورد في الوثائق التأريخية ذكرٌ لكثير من أعيان ومشايخ قبيلة الرحلة، ولكن لم يرد -  حسب ما توفر لي من وثائق – وصف لأحد من هؤلاء الأعيان والمشايخ بـ (شيخ قبيلة الرحلة) إلا للشيوخ التالية أسمائهم: 

1- راشد بن مساعد الرحيلي
       ورد ذكره في وثيقة مؤرخة بـ (1253هـ) وتتضمن بيانا بأسماء الموقعين على اتفاقية تأجير جمال القبائل للقوات الباشوية لنقل الذخائر والمؤن من ينبع إلى المدينة وقد نصت على مشيخته (راشد بن مساعد الرحيلي شيخ الرحلة ومقومها).
وأيضا جاء ذكره في وثيقة مؤرخة بـ (1256هـ) تذكر أسماء من طلبوا الأمان من الشريف محمد عون، والشاهد فيها: (والشيخ راشد الرحيلي شيخ قبيلة الرحلة).
                                           مصدر الوثائق : (فائز البدراني، فصول من تاريخ قبيلة حرب، ص447-448، 495)

2- عوض بن درويش اللبيني العمري
        جاء ذكره في التقرير العثماني المؤرخ بـ (1294هـ) ونصه (ما تطلبه قبيلة رحلة فعلى حساب ما سمعنا فإن أحد الرهائن الذين يؤخذون من هذه القبائل لضمان أمن الطريق من مكة المكرمة لم يطلق سراحه بسبب نهب إحدى القوافل مؤخرا، فرمى نفسه من جدار السجن بهدف الهرب فمات، فادعى عوض بن درويش شيخ القبيلة المذكورة أن الرجل قتل من قبل رجال الأمارة بغير حق...).
        نصت الوثيقة كما رأينا على وصف عوض بن درويش بـ (شيخ القبيلة) وهذا أمر مستبعد جدا، إذ كيف يسود القبيلة ويتولى مشيختها رجل من خارجها، لذلك من المرجح بل من المؤكد أن الشيخ عوض بن درويش لم تكن له مشيخة على قبيلة الرحلة، ولكنه ناب عنها في المطالبة بدية الرحيلي الذي قتل من قبل رجال الأمارة لما بين الرحلة والمطالحة من حلف وتلازم حدث في عام (1234هـ)، ولأن كاتب التقرير من الترك الذين ليس لهم معرفة بتفصيلات أنساب القبائل العربية ومشيختها وعاداتها في أن ينوب بعضهم عن بعض في المطالبات والدعاوى عند غياب أصحاب الشأن وصفه في تقريره بـ (شيخ القبيلة المذكورة).
         ومثل هذا لا يعد ضمن مشايخ قبيلة الرحلة، ولولا منهجي في الالتزام بذكر المشايخ الذين نصت الوثائق التأريخية على وصفهم بـ (شيخ قبيلة الرحلة) لم أذكره ضمن مشايخ القبيلة.
مصدر الوثائق :(فائز لبدراني، فصول من تاريخ قبيلة حرب، ص545)

3- محمد بن نافع البطاحي الرحيلي
        جاء ذكره في وثيقة مؤرخة بـ (1321هـ) تتضمن خطاب من عربان حرب القاطنين بين المدينة وينبع ويطالبون فيها بمرتباتهم المسجلة لدى الحكومة المصرية نظير خدمتهم المحمل المصري، وقد نصت على مشيخته للقبيلة (شيخ الرحلة محمد نافع).
مصدر الوثائق :(إبراهيم رفعت باشا، مرآة الحرمين، ج2، ص41-42)

هذا ما وصل إليه علمي وجهدي بما توفر لدي من أدلة ووثائق والميدان مفتوح للنقد والتصحيح المتقيد بأصول البحث العلمي المؤصل.
   وصلى الله و سلم على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين

       
                                                                             كتبه
                                                                     محمد بن مسلَّم الرحيلي
                                                                          المدينة المنورة




ملحق الوثائق

وثيقة حلف وتلازم مؤرخة بـ 1234هـ مصدرها الشيخ رزيق بن جابر الرحيلي رحمه الله تعالى وتتضمن لزمة المطالحة للرحلة أما لزمة الرحلة للمطالحة فلم أجدها فيما بين يدي من وثائق
 

السبت، 10 سبتمبر 2016

أبو حيان التوحيدي و بنو حرب



فمن المعلوم أن قبيلة حرب قد هاجرت في أواخر القرن الثاني و استطاعت أن توجد لها كيانا عشائريا قويا ابتداءا من القرن الرابع ، و لذلك فليس من الغريب أن نجد لها ذكرا في تلك الحقبة التاريخية ، و لكني و جدت لهم ذكرا لم أجد - وذلك لعلمي القاصر - أحدا ذكره و هو ما ذكره الأديب الفلسفي أبو حيان التوحيدي( 310-414هـ)  و هو أديب الفلاسفة له مؤلفات مشهورة منها : 

أخلاق الوزيرين : و هو الذي فيه ذكر لبني حرب في الصفحة ( 511-514) تحقيق محمد الطنجي ، الطبعة 1412هـ 
و منها كتاب الإمتاع و المؤانسة و كتاب الصداقة و الصديق و غيرها.

النص :

((" سمعت شيخا عنده - أي عند أبي أحمد العلوي أمير المدينة - من بني حرب قد أنشد أبياتا ، لم أعلق منها إلا بيتا واحدا ، وهو : 

فتى خلقت أرواحه مستقيمة = له نفحات ريحهن جنوب 

و كان معنا إذ ذاك أبو صالح الرازي الصوفي ، و كان مفوها جدلا . 
فقال له : ماذا أراد بقوله " أرواحه مستقيمة " ؟ 
قال : أراد أن أخلاقه لا تحول عن الخير ، وعادته لا تريغ إلى القبيح ، و أنه على ديدنه في الكرم ، و خص الجنوب لاستدرارها السحاب ، و جعل نفحاتها منافع لهذا الذي مدح به ". 

ثم قال أبو حيان : و سمعته ، أعني الحربي ، يقول للأمير أبي أحمد في حديث طويل : أيها الأمير ! 

نلني ولية تمرع جنابي فإنني === لما نلت من وسمي نعماك شاكر

قلت : أعد علي نسيج قافيتك 
قال : أما ثقفته ؟ 
قلت : ما أدري ما تقول 
قال : لعلك من هذه الفرقة الكلامية 
قلت : لعله 

ثم قال أبو حيان " و سمعت هذا الحربي يقول ، و كان يكنى أبا الخصيب ، لسيد حيه ، و هما بالعقيق على ضفة الوادي و قد مد - أي امتلأ - و هما ينطقان بما أحصل و لا أحصل ، حتى قال أبو الخصيب لصاحبه : 
يا هذا ! اسل عن طارفك و تالدك ، تسد بين صاحبك و وافدك ، أما سمعت هذه القوافي الأول : 

لو كنت تعطى حين تسأل سامحت === لك النفس و احلولاك كل خليل 

فرددت القافية ، و قلت : " و استحلاك كل خليل " 
فقال لي منكرا : ما هكذا لغتي ! " ))

لاحظ فصاحة بني حرب و انبهار أبي حيان منها ، و لاحظ تقريب الحكام لهم في مجالسهم ، كما يدل هذا على ارتبط قبيلة حرب الوثيق العريق بمدينة رسول الله صلى الله عليه و سلم. 


و أمير المدينة الذي ذكره التوحيدي هو أبو أحمد القاسم بن عبيدالله بن طاهر بن يحيى بن الحسين بن جعفر بن عبدالله بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ولي المدينة في حوالي سنة 329 هـ-330 هـ-336 هـ كما ذكر ذلك صاحب كتاب ( تاريخ أمراء المدينة من 1هـ حتى 1417هـ ) ص219 ط 1